من النادر أن نرى تغطية إعلامية في الغرب عن القمع المنسق الذي يتعرض له الناشطون المطالبون بالديمقراطية في شبه الجزيرة العربية. تعد المملكة العربية السعودية الأولى بين أقرانها في الجزيرة العربية التي ترفض وبقسوة أي اقتراحات باصلاحات ديمقراطية. فقد قامت السلطات السعودية مؤخراً باعتقال رجل الدين، نمر النمر، في القطيف في عملية تم فيها إطلاق النار على قدمه وقتل آخرين في قرية العوامية. وقال وزير الداخلية، الأمير أحمد بن عبد العزيز، أن النمر هو "مثير للفتنة" و" رجل مشكوك في مستواه العلمي وحالته العقلية، وأن الطرح الذي يطرحه يظهر إلى أي مدى يعاني من قصور وخلل عقلي". وبناء عليه، فأنت مختل عقلياً إن حاولت أن تدعو إلى الديمقراطية في المملكة العربية السعودية. وهكذا، فالنمر ليس حالة منفردة. فقد اعتقلت السلطات رائف البداوي، رئيس تحرير الليبراليين السعوديين الأحرار، ونشطاء آخرون مثل محمد الشكوري من القطيف، مركز العنف. يستعمل السعوديون قوانين الكفر بأسلوب ذكي لضرب نشطاء الديمقراطية بقوة. فالنشطاء هم "فئات ضالة"، أي أنهم أشخاص ضلوا طريق الحق، ولا ينفع مع هؤلاء إلا هراوة السلطة لتعيدهم إلى جادة الصواب.
منذ ما يقرب من عام، لم تتوقف السلطات البحرينية عن حملتها الأمنية ضد دعاة الديمقراطية. ومؤخراً، تم اعتقال نبيل رجب، رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان وأحد السجناء القدامى في سجون آل خليفة، بتهمة إرسال تغريدة مهينة. في الثاني والعشرين من يونيو، قام ما يقرب من اثنين وعشرين ناشطاً من حزب الوفاق بقيادة زعيمهم، الشيخ علي سلمان، بالتظاهر في شرق المنامة حاملين الزهور. قامت الشرطة بمواجهتهم بالغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت مما أدى لجرح معظم المتظاهرين. لقد تدهورت الأمور في البحرين لدرجة أن مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أصدر بياناً يدعو فيه الملك، حمد بن عيسى آل خليفة، لتطبيق توصيات لجنة التحقيقات البحرينية المستقلة التي عينها بنفسه. وفي تطور غير مفاجئ، فقد جلست الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وسبع دول أوروبية أخرى من ضمنها السويد، صامتين ولم يؤيدوا الإعلان.
أما في الامارات العربية المتحدة (وهو اتحاد من سبع إمارات يضم الاماراتين الشهيرتين أبو ظبي ودبي) فقد أخذت الأمور منحى آخر للأسوأ . فقد أظهرت السلطات هناك قسوة في التعامل مع "الإصلاح"، وهي منظمة للاصلاح والإرشاد الاجتماعي. فمنذ مارس في العام الحالي، اعتقلت السلطات الاماراتية خمسين ناشطاً على الأقل، وبضمنهم محامين لحقوق الإنسان مثل محمد الركن، ومحمد المنصوري، إضافة لخليفة النعيمي وهو مدون ومغرد على التويتر. بدأ الهجوم على "الإصلاح" في ديسمبر 2011، حين وصل حماس الربيع العربي إلى المدن المطلية بالذهب، وقامت السلطات على الفور باعتقال القادة الرئيسيين وتجريدهم من جنسياتهم الاماراتية. أصدر الاماراتيون السبعة، كما يطلقون على أنفسهم، بياناً يدعون فيه إلى الإصلاح "في السلطة التشريعية حتى يمكن تحضير الجو لانتخابات برلمانية عامة". لم يحدث شيء من هذا القبيل، وبالتأكيد فإن الضربة الساحقة التي تلقاها الناشطون كانت سريعة و مؤثرة.
في الرابع والعشرين من يوليو، صدر الحكم على الدكتور أحمد يوسف الزعبي، أستاذ القانون في جامعة الشارقة والقاضي السابق، بالسجن لمدة عام بتهمة التزوير. زعمت الحكومة أنه قد انتحل شخصية أخرى (مهنته في الجواز قاض رغم أنه قد تم فصله بعد أن ساند دعوة الاصلاح السياسي عام 2003). تعد الاعتقالات الأخيرة جزءاً من سياسة عامة بعدم التسامح مع التنوع السياسي وضد أي دعوة للإصلاح. في الأول من أغسطس، دعا جو ستروك، من منظمة هيومان رايتس ووتش، الولايات المتحدة وبريطانيا "للتحدث بشكل علني وفي الاجتماعات مع المسؤولين الاماراتيين حول ردود الفعل القاسية على دعوات معتدلة تطالب باصلاحات ديمقراطية متواضعة". في المقابل هناك صمت مطبق من وزيرة الخارجية الأميركية التي قالت في الحادي عشر من فبراير 2011، إن الولايات المتحدة ستساند " المواطنين الذين يعملون لجعل حكوماتهم أكثر انفتاحاً، وشفافية، وتقبلاً للمحاسبة". إلا أن علامة الترقيم على هذا التصريح تشير إلى ملاحظة مفادها : "مواطنو دول الخليج غير مشمولين بهذا".
ديمقراطية الصحراء العربية
كتب مهندس دبي، جون هاريس، في خطته الرئيسية عام 1971 أن النظام السياسي في الامارات العربية المتحدة كان "ديمقراطية صحراوية عربية تقليدية تمنح الحاكم سلطة مطلقة" ( هذا اقتباس من من كتاب أحمد كنه الرائع الصادر في 2011 : دبي المدينة الشركة). إن تعبير "الديمقراطية الصحراوية" أصبح كليشيهاً متداولاً في السبعينات. في عام 1967، نشرت مجلة التايم قصة عن الكويت وصفتها فيها بأنها "ديمقرطية صحراوية"، وهو عنوان أعادت المجلة استعماله في عام 1978 في قصتها عن السعودية. إن فكرة "الديمقراطية الصحراوية" تشير إلى سماح الملكيات الخليجية بتشكيل المجلس، وهو مجلس يقوم باسداء النصح للملك أو الأمير، في نفس الوقت الذي تتعهد فيه الامارة الغنية بالنفط بتوفير دفعات مالية لمواطنيها لمكافأتهم على حسن سلوكهم ( في عام 1985، قال زعيم الحزب الشيوعي السعودي المحظور أن هذه الدفعات جعلت العمال السعوديين أفراداً تحابيهم الثروة). إذا تم خرق هذا الميثاق الأساسي، عن طريق الدعوة إلى مزيد من الديمقراطية على سبيل المثال، فإن الملك أو الأمير سيضطر لاستعمال الخيار الأمني. يبدو وكأن ملوك وأمراء الخليج قد قرأوا برنارد لويس، أستاذ برنستون الجليل، والذي يقول في كتابه (أين الخطأ؟ الصدام بين الحداثة والاسلام في الشرق الأوسط - 2001) إن " كل أعمدة الاستشراق مثل المجتمع القبلي، والتحزب العربي وغيرها تتهاوى".
إن ضباب الثقافة مقبول، ولكنه يعمي الانسان عن تفسيرات أكثر بساطة. فأمراء الخليج ليسوا معنيين بمشاركة شعوبهم في السلطة لأنهم قد يُسألوا أسئلة محرجة عن البذخ الذي تعيش فيه العوائل الحاكمة من دولارات البترول. لا يمكن لأي من النخبة أن يذعن للديمقراطية برغبته الحرة، "أكثر شيء معيب في العالم" كما وصفه إدموند بيرك. كانت هناك آمال طيبة منذ الخمسينات أن "الجيل القادم" من عرب الخليج سيكون أكثر اعتدالاً من سابقيهم، وأن المسافة التي ستبعدهم عن خيامهم ستجعلهم أكثر ليبرالية. يبلغ الملك السعودي، عبد الله بن عبد العزيز، السابعة الثمانين من العمر، ويبلغ ولي عهده، سلمان بن عبد العزيز، سبعة وسبعين عاماً وهو مريض، ولم يظهر أي من الأمراء الشباب حتى الآن أي رغبة في التحرك نحو الإصلاح لأن النتائج ستكون كارثية فيما يخص سيطرتهم على الثروة. تعرف الولايات المتحدة تماماً تفاصيل هذا الوضع، ففي برقية للخارجية الأميركية أرسلت عام 1996 هناك حديث عن أن "الأمراء يبدون أكثر قدرة على تبذير الثروة منهم على الاحتفاظ بها..وطالما ظل أمراء آل سعود ينظرون للسعودية وثروتها النفطية على أنها شركة لآل سعود، فإن الآلاف من الأمراء والأميرات سيرون أنه حق مكتسب بالولادة أن يستلموا دفعات مالية وأن يستمروا بالإغارة على صندوق النقود"، فالإصلاح يشتت تفكيرهم عن سلب الأموال.
كتب السفير الأميركي، جيمس سميث، لوزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، في فبراير 2010، أنه ثبت أن العلاقات السعودية- الأميركية "صامدة"، وقد قيل نفس الكلام فيما يخص العلاقات الأميركية والأوروبية مع دول الخليج الأخرى. النفط بالطبع هو المفتاح، ولكنه ليس الشيء الوحيد، فالسيطرة السياسية من خلال القواعد العسكرية هي على نفس الجانب من الأهمية. فمن بين العديد من القواعد، تعد قاعدة الدعم البحري في البحرين، وقاعدة الظفرة في الإمارات العربية المتحدة، والقاعدة الجوية في العديد في قطر أكثرها أهمية. يمكن للغرب أن يلقي جانباً بأوهام الديمقراطية وما شابهها من أفكار ليخلق تحالفاً واقعياً مع عرب الخليج الذين يشاركون الولايات المتحدة، وحسب تعبير السفير سميث، "رؤية مشتركة للتهديدات التي يمثلها الإرهاب والتطرف، والخطر الذي تمثله إيران". إن أحد أهم الأخطار التي تمثلها إيران هو محاولتها تصدير أسلوبها في الديمقراطية الإسلامية، والتي تمثل لعنة على الملكيات الحاكمة في الخليج. لهذا، فقد وقفت الولايات المتحدة وراء الارستقراطية ضد الديمقراطية.
إن قوة ملوك الخليج تتزايد رغم أنهم أقل إستقراراً، فقد عبر الناس مراحل الميثاق، والحوار وهم يطلبون ما هو أكثر الآن.
يسدل الليل أستاره، ويتحرك رجال المخابرات والمطاوعة (الشرطة الدينية)، هناك إطلاق نار، صرخات تدوي، ثم يسود صمت مطبق.
[نشرت هذه المقالة على ”جدلية“ باللغة الإنجليزية وترجمها إلى العربية علي أديب]